أصحاب الرقاب المعلّقة

 
منذُ أن أدركت أن الوطن بالدماء التي تحملها لا بالمكان الذي ولدتَ فيه أو بعدد الذكريات التي قضيتها في المكان، لم أعرف الاستقرار مطلقًا.

الاستقرار بالنسبة للبعيدين عن أوطانهم وأوطانهم بعيدة عنهم الأمنية المرجوة والدائمة.

دائمًا ما يشعرون أنهم معلَّقين بحبلٍ يربط أعناقهم، فلا هم الذين استطاعوا أن يصلوا للقمة ليستطيعوا فكّ وثاقهم ولا هم الذين تمكنوا من قطع ما يعلّقهم ليسقطوا في القاع.

إن الحياة بالنسبة لأصحاب الرقاب المعلقة قصيرة المدى، كل أحلامهم ومخططاتهم تنتهي في اليوم أو الشهر التالي، إنهم لا يعرفون معنى أن تحلم بأمورٍ لسنة أخرى خشية أن تُقطع حبالهم فجأة فتُقطع آمالهم معها.

لا يريد أصحاب الرقاب المعلقّة أن تُقطع آمالهم لذا تراهم يتجنبون دائمًا عقد آمالٍ لا يكفي مداها عمر الحبل الملتف حول رقابهم. لا يريدون أن تُقطع آمالهم حفاظًا على قلوبهم.

كل ما يملكونه هو قلوبهم القادرة على تحمل هذا الاضطراب ومن أشكال الاضطراب التي يعيشها أصحاب الرقاب المعلقة أنهم لا يستطيعون بناء بيتٍ تُغرسُ أعمدته في باطن الأرض، لا يستطيعون بناء بيتٍ مستقر. إن الحياة التي يعيشونها والذكريات التي يصنعونها إنما يصنعونها على بيتٍ يطفو على هذه الأرض، وكل جسمٍ يطفو لا يعرف الاستقرار أبدًا. الزجاجة الفارغة التي تراها تطفو أمامك في البحر لن تراها غدًا، لا تستطيع التأكد من رؤية ما يطفو لليوم التالي لأنه غير مستقر.

كل ما يطفو غير مستقر.

كل ما يطفو يتمنى أن يستقر.

______
TEXT:
AZARI ABDULKARIM
SAUDI ARABIA